فصل: فصل: في كَيْفِيَّاتِ الْوَحْيِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فصل: في كَيْفِيَّاتِ الْوَحْيِ:

وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَحْيِ كَيْفِيَّاتٍ:
إِحْدَاهَا‏: أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ‏.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «سَأَلَتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُحِسُّ بِالْوَحْيِ فَقَالَ‏: أَسْمَعُ صَلَاصِلَ ثُمَّ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَا مِنْ مَرَّةٍ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقْبَضُ».
قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارِكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ‏. وَقِيلَ: هُوَ صَوْتُ خَفْقِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ‏. وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَفْرُغَ سَمْعُهُ لِلْوَحْيِ، فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانًا لِغَيْرِهِ‏. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ أَشَدُّ حَالَاتِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ‏. وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وَعِيدٍ أَوْ تَهْدِيدٍ‏.
الثَّانِيةُ‏: أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ رُوحَ الَقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ‏. وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا، بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي إِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَيَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ‏.
الثَّالِثَةُ‏: أَنْ يَأْتِيَهُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيُكَلِّمَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ «وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ». زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِه: «وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ»‏.
الرَّابِعَةُ‏: أَنَّ يَأْتِيَهُ الْمَلَكُ فِي النَّوْمِ، وَعَدَّ مِنْ هَذَا قَوْمٌ سُورَةَ الْكَوْثَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ‏.
الْخَامِسَةُ‏: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِمَّا فِي الْيَقَظَةِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، أَوْ فِي النَّوْمِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «أَتَانِي رَبِّي فَقَالَ‏: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى» الْحَدِيثَ. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ‏. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُ سُورَةِ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً، وَدِدْتُ أَنِّي لِمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ قُلْتُ‏: أَيْ رَبِّ، اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا؟ فَقَالَ‏: يَا مُحَمَّدُ، أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُ، وَضَالًّا فَهَدَيْتُ، وَعَائِلًا فَأَغْنَيْتُ، وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ، وَحَطَطْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي!».
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، وَلَمْ يُنَزِّلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ، قَرَنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلَ، فَنَزَّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً‏.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ‏: وَالْحِكْمَةُ فِي تَوْكِيلِ إِسْرَافِيلَ بِهِ أَنَّهُ الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ الَّذِي فِيهِ هَلَاكُ الْخَلْقِ وَقِيَامُ السَّاعَةِ، وَنَبُّوتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْذِنَةٌ بِقُرْبِ السَّاعَةِ وَانْقِطَاعِ الْوَحْيِ، كَمَا وَكَّلَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ رِيَافِيلَ الَّذِي يَطْوِي الْأَرْضَ، وَبِخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ مَالِكَ خَازِنَ النَّارِ‏.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ‏: فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَوَكَّلَ ثَلَاثَةً بِحِفْظِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَوَكَّلَ جِبْرِيلَ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَبِالنَّصْرِ عِنْدَ الْحُرُوبِ، وَبِالْمُهْلِكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا، وَوَكَّلَ مِيكَائِيلَ بِالْقَطْرِ، وَالنَّبَاتِ، وَوَكَّلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً.
وَأَخْرَجَ- أَيْضًا- عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ‏: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ جِبْرِيلُ، لْأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ اللَّهِ عَلَى رُسُلِهِ‏.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ:
أَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنِ بِالتَّفْخِيمِ كَهَيْئَتِهِ {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [الْمُرْسَلَات: 6] وَ{الصَّدَفَيْنِ} وَ{‏أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ‏} [الْأَعْرَاف: 54] وَأَشْبَاهُ هَذَا».
قُلْتُ‏: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِالتَّفْخِيمِ فَقَطْ، وَأَنَّ الْبَاقِيَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ‏.
فَائِدَةٌ أُخْرَى:
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ.
فَائِدَةٌ أُخْرَى:
أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَغُطُّ فِي رَأْسِهِ، وَيَتَرَبَّدُ وَجْهُهُ‏، أَيْ: يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ بِالْجَرِيدَةِ وَيَجِدُ بَرْدًا فِي ثَنَايَاهُ، وَيَعْرَقُ حَتَّى يَتَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ‏».

.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ‏: فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا:

قُلْتُ‏: وَرَدَ حَدِيثُ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَة: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَنَسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَسَلْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي جَهْمٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ. فَهَؤُلَاءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا، وَقَدْ نَصَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى تَوَاتُرِهِ‏.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِه: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَر: أَذْكَرَ اللَّهُ رَجُلًا، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ لَمَّا قَامَ، فَقَامُوا حَتَّى لَمْ يُحْصَوْا، فَشَهِدُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ‏: وَأَنَا أَشْهَدُ مَعَهُمْ.
وَسَأَسُوقُ مِنْ رُوَاتِهِمْ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَأَقُولُ‏: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى نَحْو: أَرْبَعِينَ قَوْلًا:
أَحَدُهَا‏: أَنَّهُ مِنِ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ؛ لْأَنَّ الْحَرْفَ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى حَرْفِ الْهِجَاءِ، وَعَلَى الْكَلِمَةِ، وَعَلَى الْمَعْنَى، وَعَلَى الْجِهَةِ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ‏.
الثَّانِي‏: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ، بَلِ الْمُرَادُ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ وَالسَّعَةُ، وَلَفْظُ السَّبْعَةِ يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الْآحَادِ، كَمَا يُطْلَقُ السَّبْعُونَ فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةِ فِي الْمِئِينَ، وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضُ وَمَنْ تَبِعَهُ‏.
وَيَرُدُّهُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ».
وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ مُسْلِم: «إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. فَرَدَدْتُ إِلَيْه: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَرَدَدْتُ إِلَيْه: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ: أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ».
وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ: «إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي، فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِي، وَمِيكَائِيلَ عَنْ يَسَارِي؛ فَقَالَ جِبْرِيلُ‏: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ‏: اسْتَزِدْهُ... حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ».
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «اقْرَأْهُ، فَنَظَرْتُ إِلَى مِيكَائِيلَ، فَسَكَتَ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ».
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْعَدَدِ وَانْحِصَارِهِ فَى نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.
الثَّالِثُ‏: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعُ قِرَاءَاتٍ، وَتُعُقِّبَ: بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ إِلَّا الْقَلِيلَ مِثْلَ‏: {‏وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ‏} [الْمَائِدَة: 60] {فُلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ‏} [الْإِسْرَاء: 23].
الرَّابِعُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ بِوَجْهٍ أَوْ وَجْهَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إِلَى سَبْعَةٍ‏، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ فِي الْكَلِمَاتِ مَا قُرِئَ عَلَى أَكْثَرَ، وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا رَابِعًا‏.
الْخَامِسُ‏: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّغَايُرُ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ‏:
فَأَوَّلُهَا: مَا يَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ وَلَا يَزُولُ مَعْنَاهُ وَلَا صُورَتُهُ مِثْلَ‏: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ} [الْبَقَرَة: 282] بِالْفَتْحِ وَالرَّفْعِ.
وَثَانِيهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِالْفِعْلِ مِثْلُ {بَاعَدَ} {وَبَاعِدْ} [سَبَأٍ: 19] بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالطَّلَبِ.
وَثَالِثُهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِالنَّقْطِ، مِثْلَ {ننْشِزُهَا} [الْبَقَرَة: 259] (وَنُنْشِرُهَا).
وَرَابِعُهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ قَرِيبِ الْمَخْرَجِ، مِثْلُ {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الْوَاقِعَة: 29] وَ(طَلْعٍ).
وَخَامِسُهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، مِثْلُ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وَ(سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ).
وَسَادِسُهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ مِثْلَ {‏وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى‏} [اللَّيْل: 3] (وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى).
وَسَابِعُهَا‏: مَا يَتَغَيَّرُ بِإِبْدَالِ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى، مِثْلُ {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وَ(كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ)‏.
وَتَعَقَّبَ هَذَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، بِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَقَعَتْ، وَأَكْثَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَعْرِفُ الرَّسْمَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحُرُوفَ وَمَخَارِجَهَا‏.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَوْهِينُ مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ؛ لَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَانْحِصَارُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ‏.
السَّادِسُ: وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِّيُّ فِي اللَّوَائِح: الْكَلَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فِي الِاخْتِلَاف:
الْأَوَّلُ‏: اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ مِنْ إِفْرَادٍ وَتَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ، وَتَذْكِيرٍ وَتَأْنِيثٍ‏.
وَالثَّانِي‏: اخْتِلَافُ تَصْرِيفِ الْأَفْعَالِ مِنْ مَاضٍ وَمُضَارِعٍ وَأَمْرٍ‏.
الثَّالِثُ‏: وُجُوهُ الْإِعْرَابِ‏.
الرَّابِعُ‏: النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ‏.
الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ‏.
السَّادِسُ: الْإِبْدَالُ‏.
السَّابِعُ‏: اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ وَالْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ.
السَّابِع: وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏: الْمُرَادُ بِهَا كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ إِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ، وَتَفْخِيمٍ، وَتَرْقِيقٍ، وَإِمَالَةٍ، وَإِشْبَاعٍ، وَمَدٍّ، وَقَصْرٍ، وَتَشْدِيدٍ، وَتَخْفِيفٍ، وَتَلْيِينٍ.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّابِعُ‏.
الثَّامِن: وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيّ: قَدْ تَتَبَّعْتُ صَحِيحَ الْقِرَاءَاتِ وَشَاذَّهَا وَضَعِيفَهَا وَمُنْكَرَهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْجِعُ اخْتِلَافُهَا إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، لَا يَخْرُجُ عَنْهَا. وَذَلِكَ:
إِمَّا فِي الْحَرَكَاتِ بِلَا تَغَيُّرٍ فِي الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ نَحْوُ: {بِالْبُخْلِ} [النِّسَاء: 37] بِأَرْبَعَةٍ وَيُحْسَبُ بِوَجْهَيْنِ.
أَوْ مُتَغَيِّرٌ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ: نَحْوَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [الْبَقَرَة: 37].
وَإِمَّا فِي الْحُرُوفِ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى لَا الصُّورَة: نَحْوُ: {تَبْلُو} [يُونُسَ: 30] وَ(تَتْلُو).
أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ نَحْوُ: {الصِّرَاطَ} وَ(السِّرَاطَ).
أَوْ بِتَغَيُّرِهِمَا: نَحْوُ: {وَامْضُوا} [الْحِجْر: 65] وَ(اسْعَوْا).
وَإِمَّا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِير: نَحْوُ: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التَّوْبَة: 111].
أَوْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ نَحْوُ: {وَصَّى} وَ(أَوْصَى).
فَهَذِهِ سَبْعَةٌ لَا يَخْرُجُ الَاخْتِلَافُ عَنْهَا‏.
قَالَ‏: وَأَمَّا نَحْوُ اخْتِلَافِ الْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ وَالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَالتَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ وَالنَّقْلِ وَالْإِبْدَالِ، فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَتَنَوَّعُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى; لْأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةَ فِي أَدَائِهِ لَا تُخْرِجُهُ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا. انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّامِنُ‏.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِير: قِرَاءَةُ الْجُمْهُور: {‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏} [غَافِرٍ: 35] وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ {عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} ‏.
التَّاسِعُ‏: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَحْوَ: أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ، وَأَسْرِعْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَلَائِقُ. وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَيَدُلُّ لَهُ: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ‏: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ مِيكَائِيلُ‏: اسْتَزِدْهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ قَالَ‏: كُلُّ شَافٍ كَافٍ مَا لَمْ تُخْلَطْ آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ رَحْمَةٌ بِعَذَابٍ» نَحْوُ قَوْلِكَ: تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَعَجِّلْ. هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ‏.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ- أَيْضًا- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ‏.
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أُبَيٍّ قُلْتُ‏: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تُخْلَطْ آيَةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا».
وَعِنْدَهُ- أَيْضًا- مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ مَا لَمْ تَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا، أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً أَسَانِيدُهَا جِيَادٌ‏.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا ضَرْبَ الْمَثَلِ لِلْحُرُوفِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا: أَنَّهَا مَعَانٍ مُتَّفِقٌ مَفْهُومُهَا، مُخْتَلِفٌ مَسْمُوعُهَا، لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَعْنًى وَضِدُّهُ، وَلَا وَجْهٌ يُخَالِفُ مَعْنَى وَجْهٍ خِلَافًا يَنْفِيهِ وَيُضَادُّهُ، كَالرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْعَذَابِ وَضِدُّهُ‏.
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [الْبَقَرَة: 20] (مَرُّوا فِيهِ)، (سَعَوْا فِيهِ)‏.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ‏: {لِلَّذِينِ آمَنُوا انْظُرُونَا} [الْحَدِيد: 13] أَمْهِلُونَا: أَخِّرُونَا.
قَالَ الطَّحَّاوِيُّ‏: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً، لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمُ التِّلَاوَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ، ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ وَتَيَسُّرِ الْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاقِلَّانِيُّ وَآخَرُونَ‏.
وَفِي فَضَائِلِ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَقْرَأَ رَجُلًا: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدُّخَّان: 43- 44]، فَقَالَ الرَّجُلُ‏: طَعَامُ الْيَتِيمِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ بِهَا لِسَانُهُ.
فَقَالَ‏: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ: طَعَامُ الْفَاجِرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ‏: فَافْعَلْ‏.
الْعَاشِرُ‏: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعُ لُغَاتٍ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَثَعْلَبُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ‏.
وَتُعُقِّبَ: بِأَنَّ لُغَاتِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ‏.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْصَحُهَا، فَجَاءَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏: نَزَلَ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ؛ مِنْهَا خَمْسٌ بِلُغَةِ الْعَجُزِ مِنْ هَوَازِنَ.
قَالَ‏: وَالْعَجُزُ: سَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، وَجُشَمُ بْنُ بَكْرٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَقِيفٌ؛ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ هَوَازِنَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: عُلْيَا هَوَازِنَ‏.
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاء: أَفْصَحُ الْعَرَبِ عُلْيَا هَوَازِنَ، وَسُفْلَى تَمِيمٍ‏‏، يَعْنِي: بَنِي دَارِمٍ‏.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏: نَزَلَ الْقُرْآنِ بِلُغَةِ الْكَعْبِيِّينَ‏: كَعْبِ قُرَيْشٍ وَكَعْبِ خُزَاعَةَ.
قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ‏: ; لْأَنَّ الدَّارَ وَاحِدَةٌ.
يَعْنِي: أَنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا جِيرَانَ قُرَيْشٍ، فَسَهُلَتْ عَلَيْهِمْ لُغَتُهُمْ‏.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ‏: نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَهُذَيْلٍ وَتَمِيمٍ وَالْأَزْدِ وَرَبِيعَةَ وَهَوَازِنَ وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. وَاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ‏: لَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ إِلَّا بِلُغَةِ قُرَيْشٍ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ‏} [إِبْرَاهِيمَ: 4]. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ اللُّغَاتُ السَّبْعُ فِي بُطُونِ قُرَيْشٍ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ‏.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، بَلِ اللُّغَاتُ السَّبْعُ مُفَرَّقَةٌ فِيهِ، فَبَعْضُهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ‏. قَالَ‏: وَبَعْضُ اللُّغَاتِ أَسْعَدُ بِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَكْثَرُ نَصِيبًا‏.
وَقِيلَ: نَزَلَ بِلُغَةِ مُضَرَ خَاصَّةً، لِقَوْلِ عُمَرَ‏: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ مُضَرَ. وَعَيَّنَ بَعْضُهُمْ- فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ- السَّبْعَ مِنْ مُضَرَ: أَنَّهُمْ هُذَيْلٌ، وَكِنَانَةُ، وَقَيْسٌ، وَضَبَّةُ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَقُرَيْشٌ؛ فَهَذِهِ قَبَائِلُ مُضَرَ تَسْتَوْعِبُ سَبْعَ لُغَاتٍ‏.
وَنَقَلَ أَبُو شَامَةَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ‏: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ، ثُمَّ أُبِيحَ لِلْعَرَبِ أَنْ يَقْرَءُوهُ بِلُغَاتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا، عَنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْإِعْرَابِ. وَلَمْ يُكَلِّفْ أَحَدًا مِنْهُمْ الِانْتِقَالُ عَنْ لُغَتِهِ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ، وَلِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْحَمِيَّةِ، وَلِطَلَبِ تَسْهِيلِ فَهْمِ الْمُرَادِ‏.
وَزَادَ غَيْرُهُ: أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَقَعْ بِالتَّشَهِّي، بِأَنْ يُغَيِّرَ كُلُّ أَحَدٍ الْكَلِمَةَ بِمُرَادِفِهَا فِي لُغَتِهِ، بَلِ الْمَرْعِيُّ فِي ذَلِكَ السَّمَاعُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْفِظُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ سَبْعَ مَرَّاتٍ‏.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ هَذَا لَوِ اجْتَمَعَتِ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَنَحْنُ قُلْنَا‏: كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي فِي كُلِّ عَرْضَةٍ بِحَرْفٍ، إِلَى أَنْ تَمَّتْ سَبْعَةً. وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رَدَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ، كِلَاهُمَا قُرَشِيٌّ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهُمَا، وَمُحَالٌ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ عُمَرُ لُغَتَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ غَيْرُ اللُّغَاتِ‏.
الْقَوْلُ الْحَادِي عَشَرَ‏: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ.
وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ تَرُدُّهُ، وَالْقَائِلُونَ بِهِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ السَّبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَقِيلَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَأَمْثَالٌ‏.
وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ، عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: زَاجِرٌ وَآمِرٌ، وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَأَمْثَالٌ» الْحَدِيثَ‏.
وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ قَوْمٌ: بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى؛ لْأَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ يَأْبَى حَمْلَهَا عَلَى هَذَا، بَلْ فِي ظَاهِرِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْكَلِمَةَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ إِلَى سَبْعَةٍ؛ تَيْسِيرًا وَتَهْوِينًا، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ حَلَالًا وَحَرَامًا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ‏.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ هُنَا الْأَنْوَاعُ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ اللُّغَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا‏.
وَقَالَ غَيْرُهُ‏: مِنْ أَوَّلِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ بِهَذَا، فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لْأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مِنْهَا حَرَامًا لَا مَا سِوَاهُ وَحَلَالًا مَا سِوَاهُ، وَلْأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ يُقْرَأُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ كُلُّهُ أَوْ حَرَامٌ كُلُّهُ، أَوْ أَمْثَالٌ كُلُّهُ‏.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ‏: هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لْأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التَّوْسِعَةَ لَمْ تَقَعْ فِي تَحْرِيمِ حَلَالٍ، وَلَا تَحْلِيلِ حَرَامٍ، وَلَا فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ‏.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏: هَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ، لْأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُرُوفِ وَإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ فَى السَّبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ إِبْدَالِ آيَةِ أَمْثَالٍ بِآيَةِ أَحْكَامٍ‏.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَأَبُو الْعَلَاءِ وَالْهَمَذَانِيُّ‏: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ زَاجِرٌ وَآمِرٌ إِلَى إِلَخْ. اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ آخَرَ‏، أَيْ: هُوَ زَاجِرٌ‏، أَيِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ تَفْسِيرُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الَاتِّفَاقِ فِي الْعَدَدِ‏. وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ زَجْرًا وَأَمْرًا بِالنَّصْبِ‏، أَيْ نَزَلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْأَبْوَابِ السَّبْعَةِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ‏: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِلْأَبْوَابِ لَا لِلْأَحْرُف: أَيْ هِيَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكَلَامِ وَأَقْسَامِهِ‏، أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ، لَمْ يَقْتَصِرْ مِنْهَا عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ‏.
الثَّانِي عَشَر: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ، وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ، وَالنَّصُّ وَالْمُئَوَّلُ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ، وَالَاسْتِثْنَاءُ وَأَقْسَامُهُ. حَكَاهُ شَيْذَلَةُ عَنِ الْفُقَهَاءِ‏.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ‏.
الثَّالِثَ عَشَر: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحَذْفُ وَالصِّلَةُ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، وَالَاسْتِعَارَةُ وَالتَّكْرَارُ، وَالْكِنَايَةُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُفَسَّرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْغَرِيبُ. حَكَاهُ، عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ‏.
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ عَشَرَ‏.
الرَّابِعَ عَشَر: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، وَالشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، وَالتَّصْرِيفُ وَالْإِعْرَابُ، وَالْأَقْسَامُ وَجَوَابُهَا، وَالْجَمْعُ وَالْإِفْرَادُ، وَالتَّصْغِيرُ وَالتَّعْظِيمُ، وَاخْتِلَافُ الْأَدَوَاتِ. حَكَاهُ عَنِ النُّحَاةِ‏.
وَهَذَا هُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ‏.
الْخَامِسَ عَشَر: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُعَامَلَات: الزُّهْدُ وَالْقَنَاعَةُ مَعَ الْيَقِينِ وَالْجَزْمِ، وَالْخِدْمَةُ مَعَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ، وَالْفُتُوَّةُ مَعَ الْفَقْرِ وَالْمُجَاهَدَةِ، وَالْمُرَاقَبَةُ مَعَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارُ مَعَ الرِّضَا وَالشُّكْرِ، وَالصَّبْرُ مَعَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَالشَّوْقُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ. حَكَاهُ عَنِ الصُّوفِيَّةِ‏.
وَهَذَا هُوَ الْخَامِسَ عَشَرَ‏.
الْقَوْلُ السَّادِسَ عَشَرَ‏: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَبْعَةُ عُلُومٍ‏: عِلْمُ الْإِنْشَاءِ وَالْإِيجَادِ، وَعِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، وَعِلْمُ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَعَلَمُ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَعِلْمُ الْعَفْوِ وَالْعَذَابِ، وَعَلَمُ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ، وَعَلَمُ النُّبُوَّاتِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ: أَنَّهُ بَلَغَ الَاخْتِلَافُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْطُبِيُّ مِنْهَا سِوَى خَمْسَةٍ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبَّانِ فِي هَذَا، بَعْدَ تَتَبُّعِي مَظَانَّهُ.
قُلْتُ: قَدْ حَكَاهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ الشَّرَفِ الْمُزَنِيِّ الْمُرْسِيِّ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَى نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ زَجْرٌ وَأَمْرٌ، وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَأَمْثَالٌ.
الثَّانِي: حَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ وَزَجْرٌ، وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدُ، وَأَمْثَالٌ.
الثَّالِثُ: وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَمَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، وَاحْتِجَاجٌ.
الرَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَبِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ، وَأَخْبَارٌ، وَأَمْثَالٌ.
الْخَامِسُ: مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ، وَقَصَصٌ.
السَّادِسُ: أَمْرٌ وَزَجْرٌ، وَتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ، وَجَدَلٌ وَقَصَصٌ، وَمَثَلٌ.
السَّابِعُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَحَدٌّ وَعِلْمٌ، وَسَرٌّ، وَظَهْرٌ وَبَطْنٌ.
الثَّامِنُ: نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَرُغْمٌ وَتَأْدِيبٌ، وَإِنْذَارٌ.
التَّاسِعُ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَافْتِتَاحٌ وَأَخْبَارٌ، وَفَضَائِلُ، وَعُقُوبَاتٌ.
الْعَاشِرُ: أَوَامِرُ وَزَوَاجِرُ، وَأَمْثَالٌ، وَأَنْبَاءٌ، وَعَتَبٌ وَوَعْظٌ، وَقَصَصٌ.
الْحَادِي عَشَرَ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَأَمْثَالٌ، وَمَنْصُوصٌ، وَقَصَصٌ، وَإِبَاحَاتٌ.
الثَّانِي عَشَرَ: ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَفَرْضٌ وَنَدْبٌ، وَخُصُوصٌ وَعُمُومٌ، وَأَمْثَالٌ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَإِبَاحَةٌ، وَإِرْشَادٌ، وَاعْتِبَارٌ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَفَرَائِضُ وَحُدُودٌ، وَمَوَاعِظَ، وَمُتَشَابِهٌ، وَأَمْثَالٌ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: مُفَسَّرٌ وَمُجْمَلٌ، وَمَقْضِيٌّ وَنَدْبٌ وَحَتْمٌ، وَأَمْثَالٌ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَمْرُ حَتْمٍ، وَأَمَرُ نَدْبٍ، وَنَهْيُ حَتْمٍ، وَنَهْيُ نَدْبٍ، وَأَخْبَارٌ، وَإِبَاحَاتٌ.
السَّابِعَ عَشَرَ: أَمْرُ فَرْضٍ، وَنَهْيُ حَتْمٍ، وَأَمْرُ نَدْبٍ، وَنَهْيُ مُرْشِدٍ، وَوَعْدٌ، وَوَعِيدٌ، وَقَصَصٌ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: سَبْعُ جِهَاتٍ لَا يَتَعَدَّاهَا الْكَلَامُ فَى مَعْنَى إِنْزَالِ الْقُرْآن: لَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، وَلُفِظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامٌّ، وَلَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، وَلَفْظٌ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، وَلَفْظٌ يُسْتَغْنَى بِتَنْزِيلِهِ عَنْ تَأْوِيلِهِ، وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ فِقْهَهُ إِلَّا الْعُلَمَاءُ، وَلَفْظٌ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ إِلَّا الرَّاسِخُونَ.
التَّاسِعَ عَشَرَ: إِظْهَارُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَإِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَتَعْظِيمُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَالتَّعَبُّدُ لِلَّهِ، وَمُجَانَبَةُ الْإِشْرَاكِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي الثَّوَابِ، وَالتَّرْهِيبُ مِنَ الْعِقَابِ.
الْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ، مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَاثْنَتَانِ لِسَائِرِ الْعَرَبِ.
الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ، كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا لِقَبِيلَةٍ مَشْهُورَةٍ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ، أَرْبَعٌ لِعَجُزِ هَوَازِنَ: سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَجُشَمِ بْنِ بَكْرٍ، وَنَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَثَلَاثٌ لِقُرَيْشٍ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ لُغَاتٍ: لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَلُغَةٌ لِلْيَمَنِ، وَلُغَةٌ لَجُرْهُمَ، وَلُغَةٌ لِهَوَازِنَ، وَلُغَةٌ لِقُضَاعَةَ، وَلُغَةٌ لِتَمِيمٍ، وَلُغَةٌ لِطَيِّئٍ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: لُغَةُ الْكَعْبِيِّينَ: كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَلَهُمَا سَبْعُ لُغَاتٍ.
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: اللُّغَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ لِأَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ: هَلُمَّ، وَهَاتِ، وَتَعَالَ، وَأَقْبِلْ.
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: سَبْعُ قِرَاءَاتٍ لِسَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَة: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: هَمْزٌ، وَإِمَالَةٌ، وَفَتْحٌ، وَكَسْرٌ، وَتَفْخِيمٌ، وَمَدٌّ، وَقَصْرٌ.
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: تَصْرِيفٌ، وَمَصَادِرُ، وَعَرُوضٌ، وَغَرِيبٌ، وَسَجْعٌ، وَلُغَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ كُلُّهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْرَبُ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ، حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ فِيهَا‏.
الثَّلَاثُونَ: أُمَّهَاتُ الْهِجَاء: الْأَلِفُ، وَالْبَاءُ، وَالْجِيمُ، وَالدَّالُ، وَالرَّاءُ، وَالسِّينُ، وَالْعَيْنُ؛ لْأَنَّ عَلَيْهَا تَدُورُ جَوَامِعُ كَلَامِ الْعَرَبِ‏.
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ‏: أَنَّهَا فِي أَسْمَاءِ الرَّبِّ مِثْلُ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ‏.
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ‏: هِيَ آيَةٌ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ، وَآيَةٌ تَفْسِيرُهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى، وَآيَةٌ بَيَانُهَا فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَآيَةٌ فِي قِصَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَآيَةٌ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ، وَآيَةٌ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ، وَآيَةٌ فِي وَصْفِ النَّارِ‏.
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ‏: فِي وَصْفِ الصَّانِعِ، وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ، وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ‏، وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ رُسُلِهِ، وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كُتُبِهِ، وَآيَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَآيَةٌ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ‏.
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ‏: سَبْعُ جِهَاتٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لِلَّهِ الَّتِي لَا يَقَعُ عَلَيْهَا التَّكْيِيفُ‏.
الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ‏: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمُبَايَنَةُ الشِّرْكِ، وَإِثْبَاتُ الْأَوَامِرِ، وَمُجَانَبَةُ الزَّوَاجِرِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ‏.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ‏: فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ قَوْلًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي مَعْنَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَهِيَ أَقَاوِيلُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَتَحْتَمِلُ غَيْرَهَا‏.
وَقَالَ الْمُرْسِيُّ‏: هَذِهِ الْوُجُوهُ أَكْثَرُهَا مُتَدَاخِلَةٌ، وَلَا أَدْرِي مُسْتَنَدَهَا وَلَا عَمَّنْ نُقِلَتْ، وَلَا أَدْرِي لِمَ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذِهِ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ بِمَا ذَكَرَ، مَعَ أَنَّ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَلَا أَدْرِي مَعْنَى التَّخْصِيصِ، وَفِيهَا الْأَشْيَاءُ لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَكْثَرُهَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا أَحْكَامِهِ، إِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ حُرُوفِهِ، وَقَدْ ظَنَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ، وَهُوَ جَهْلٌ قَبِيحٌ‏.